نظرة دونية للمطلقة- فضح زيف الاهتمام وقبح التخلف
المؤلف: هاني الظاهري08.07.2025

عندما يُبادر أحد المفكرين بطرح قضية مجتمعية للنقاش أو يقدم رأياً مستنيراً يغاير الرؤى البالية التي يسعى أصحابها لإعادة المجتمع إلى الوراء قروناً، يتردد صدى عبارة مشؤومة على ألسنة أولئك المصابين بـ "رهاب التجديد": "أين أنتم عن الأرامل والمطلقات؟". هذه العبارة تفضح ضآلة فكر قائلها ونظرته الدونية للمرأة تحت ستار الاهتمام بحقوقها. فهو في حقيقة الأمر يرى المطلقة حالة مأساوية تستدعي الرثاء والمساعدة، لا امرأة حرة ومواطنة كاملة الأهلية اتخذت قراراً شجاعاً بإنهاء علاقة زوجية لم تجد فيها سعادتها أو اكتشفت أنها تمثل خطراً على حياتها ومستقبلها، فتحررت منها.
من المستحيل أن يستوعب المتزمت، ذو القدرات الذهنية المتواضعة في أغلب الأحيان، أن كون المرأة مُنفصلة لا يعني بالضرورة أنها تستحق الشفقة أو الرأفة. بل إن الواقع المرير يؤكد أن الكثير من النساء اللاتي يقبعن في ربقة الزواج هن الأحق بجدارة بإنصاف المجتمع وتعاطفه، وانتشالهن من براثن عنف الأزواج وبخلهم، ورفع الظلم الذي يقع عليهن جراء مصادرة حقوقهن المادية والمعنوية.
الأمر المثير للضحك والسخرية أن هؤلاء الذين يتبجحون بشعار "أين أنتم عن المطلقات؟" هم أنفسهم الجهابذة في إهانة المرأة بابتكاراتهم المشبوهة وأهوائهم الدنيئة، من أمثال زيجات المسيار والوناسة والمسفار، وغيرها من العلاقات الجنسية العابرة المقنّعة بستار الزواج، والتي تقشعر لها الأبدان خجلاً. إنهم يعتقدون جازمين أن المرأة المطلقة فريسة سهلة ورخيصة لمثل هذه الممارسات المنحطة، وذلك نتيجة لسباتهم العميق في غياهب الزمن، حيث يعود تفكيرهم إلى العصر الحجري، عندما كانت المرأة تعتمد بشكل كامل على رجل الكهف لتأمين الحماية والغذاء. يغيب عن أذهانهم أن المرأة اليوم تشارك الرجل في تحمل الأعباء المادية وتغطية تكاليف الحياة الباهظة، بل إن هناك نساء عاملات يعلن أسراً بأكملها، بما في ذلك أزواجهن العاطلين عن العمل والكسب الشريف.
يجهل هؤلاء المتشددون أيضاً أن هناك امرأة مطلقة منذ أربعة عقود، تدعى أنجيلا ميركل، تترأس حالياً إحدى أهم دول العالم اقتصادياً وعسكرياً، ألا وهي ألمانيا. يعجز عقلهم المحدود عن استيعاب أن هذه السيدة العظيمة، التي تهز كلماتها أركان الدول والشعوب، لم تحتج يوماً إلى معونة من الضمان الاجتماعي أو شفقة من "هواة المسيار" وعشاق شعار "أين أنتم عن المطلقات؟". ولو أن أحدهم التقى بها مصادفة لارتعدت أوصاله خوفاً وفزعاً.
المؤسف حقاً أن هذه الصورة النمطية القاتمة والمُحبطة عن المرأة المطلقة يتم ترويجها إعلامياً بشكل مكثف، انصياعاً لقطعان الجهل والتخلف في المجتمع. بل إن بعض النساء المطلقات أنفسهن بتن يؤمنن، نتيجة لهذا الترويج الظالم، بأنهن ينتمين إلى فئة "ذوي الاحتياجات الخاصة" أو يستحقن الرثاء والمساعدة. هذا ما يجب أن يتجاوزه المجتمع من خلال التوعية الحقيقية التي تهدف إلى تحرير العقول من قيود دعاة التخلف والرجعية.
ختاماً، أود أن أؤكد أنني كتبت هذه المقالة كرد على السؤال المتكرر والساذج: "أين أنتم عن المطلقات؟". وأتعهد أمام الجميع بأنني سأحتفظ بعشرات النسخ منها لأشهرها في وجه كل متخلف يعيد طرحه عليّ في كل مناسبة وغير مناسبة. ويمكن لجميع الزملاء الكُتّاب في الصحافة السعودية الاستعانة بما كتبت هنا لدحر هجوم المتشددين عليهم إن لزم الأمر، مع الدعاء لي بالأجر بعد كل معركة ينيرون فيها عقول خصومهم، ويزيلون عنها غشاوة الجهل والتعصب.